سورة الصف - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصف)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)}
{يَا أَيُّهَا الذين ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تجَارَة} جليلة الشأن {تُنْجيكُمْ مِنْ عَذَاب أَليم} يوم القيامة، وقرأ الحسن. وابن أبي إسحق. والأعرج. وابن عامر {تنجيكم} بالتشديد، وقوله تعالى:


{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)}
{تُؤْمنُونَ بالله وَرَسُوله وتجاهدون في سَبيل الله بأَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ} استئناف بياني كأنه قيل: ما هذه التجارة؟ دلنا عليها: فقيل: {تؤمنون} الخ، والمضارع في الموضعين كما قال المبرد. وجماعة خبر عنى الأمر أي آمنوا وجاهدوا، ويؤيده قراءة عبد الله كذلك، والتعبير به للإيذان بوجوب الامتثال كأن الايمان والجهاد قد وقعا فأخبر بوقوعهما، والخطاب إذا كان للمؤمنين الخلص فالمراد تثبتون وتدومون على الايمان أو تجمعون بين الايمان والجهاد أي بين تكميل النفس وتكميل الغير وإن كان للمؤمنين ظاهرًا فالمراد تخلصون الايمان، وأيًا ما كان فلا إشكال في الأمر، وقال الأخفش: {تؤمنون} إلخ عطف بيان على {تجارة}، وتعقب بأنه لا يتخيل إلا على تقدير أن يكون الأصل أن تؤمنوا حتى يتقدر صدر، ثم حذف أن فارتفع الفعل كما في قوله:
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى ***
يريد أن احضر فلما حذف أن ارتفع الفعل وهو قليل، وقال ابن عطية: {تؤمنون} فعل مرفوع بتقدير ذلك أنه تؤمنون، وفيه حذف المبتدا وأن واسمها وإبقاء خبرها، وذلك على ما قال أبو حيان: لا يجوز، وقرأ زيد بن علي تؤمنوا وتجاهدوا بحذف نون الرفع فيهما على إضمار لام الأمر أي لتؤمنوا وتجاهدوا، أو لتجاهدوا كما في قوله:
قلت لبواب على بابها *** تأذن لنا إني من أحمائها
وكذا قوله:
محمد تفد نفسك كل نفس *** إذا ما خفت من أمر تبالا
وجوز الاستئناف، والنون حذفت تخفيفًا كما في قراءة {ساحران يظاهرا} وقوله:
ونقري ما شئت أن تنقري *** قد رفع الفخ فماذا تحذري
وكذا قوله:
أبيت أسري وتبيتي تدلكي *** وجهك بالعنبر والمسك الذكي
وأنت تعلم أن الحذف شاذ {ذلكم} أي ما ذكر من الايمان والجهاد {خَيْرٌ لَكُمْ} على الإطلاق أو من أموالكم وأنفسكم {إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي إن كنتم من أهل العلم إذ الجهلة لا يعتدّ بأفعالهم حتى توصف بالخيرية، وقيل: أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرًا لكم حينئذ لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتم أحببتم الايمان والجهاد فوق ما تحبون أموالكم وأنفسكم فتخلصون وتفلحون.


{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}
{يَغْفرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر كما في قولهم: اتقى الله تعالى امرؤ وفعل خيرًا يثب عليه؛ أو جواب لشرط، أو استفهام دل عليه الكلام، والتقدير أن تؤمنوا وتجاهدوا يغفر لكم، أو هل تقبلون أن أدلكم؟ أو هل تتجرون بالايمان والجهاد؟ يغفر لكم، وقال الفراء: جواب للاستفهام المذكور أي هل أدلكم، وتعقب بأن مجرد الدلالة لا يوجب المغفرة، وأجيب بأنه كقوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} [إبراهيم: 31] وقد قالوا فيه: إن القول لما كان للمؤمن الراسخ الإيمان كان مظنة لحصول الامتثال فجعل كالمحقق وقوعه فيقال ههنا: لما كانت الدلالة مظنة لذلك نزلت منزلة المحقق، ويؤيده {إن كنتم تعلمون} [الصف: 11] لأن من له عقل إذا دله سيده على ما هو خير له لا يتركه، وادعاء الفرق بما ثمة من الإضافة التشريفية وما هنا من المعاتبة قيل: غير ظاهر فتدبر، والانصاف أن تخريج الفراء لا يخلو عن بعد، وأما ما قيل: من أن الجملة مستأنفة لبيان أن ذلك خير لهم، و{يغفر} مرفوع سكن آخره كما سكن آخر {أشرب} في قوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب *** إثمًا من الله ولا واغل
فليس بشيء لما صرحوا به من أن ذلك ضرورة.
{وَيُدْخلْكُمْ حنات تَجْري مِنْ تَحْتهَا الأنهار ومساكن طَيِّبَةً} أي طاهرة زكية مستلذة، وهذا إشارة إلى حسنها بذاتها، وقوله تعالى: {في جنات عَدْن} إشارة إلى حسنها باعتبار محلها {ذلك} أي ما ذكر من المغفرة وما عطف عليها {الفَوْزُ العَظيمُ} الذي لا فوز وراءه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5